بالفيديو.. معرض تاريخي يكشف خفايا المغرب القديم

حطّ "المغرب القديم" رحاله بمتحف التاريخ والحضارات بالعاصمة الرباط، في معرض يقدّم للجمهور الواسع آثارا ولقى وخزفا وشواهد من فترة ما قبل الرومان.

ونظّم معرض "المغرب القدي.. فترة ما قبل الرومان" كل من المؤسّسة الوطنية للمتاحف ومتحف التاريخ والحضارات. 

ويتطرّق المعرض، في شقِّه الأوّل، إلى المسار الزمني لموريطنية من القرن الثامن قبل الميلاد وصولا إلى القرن 4 قبل الميلاد، ويتناول شقِّه الموضوعاتي تمظهرات موريطنية الحضارية المتمثّلة في اقتصادها وتجارتها، وأديانها وطقوسها الجنائزية، ولغاتها وكتاباتها.

رحلة إلى المغرب القديم

يجد زوار المعرض الجديد بمتحف التاريخ والحضارات أنفسهم أمام حائط أسود يحمل عنوان المعرض بلغات ثلاث، ويبدأ مساره يُمنَة، مع مدخل تاريخي مختصر يعرّف "موريطنية" أرض الموريين، أي سكّان الغرب الأقصى لشمال إفريقيا خلال العصر القديم في الفترة ما قبل الرومانية، موضّحا أن أصل اللفظة مشتق من الكلمة اليونانية "موروس" التي تعني مظلم، التي ترجمت بدورها عن "غيرب" في البونية التي تعني "غروب الشمس".

ينطلق المعرض الأثَري من السنة 8 قبل الميلاد، ويتحدّث عن العلاقات الوطيدة التي كانت تجمع المجتمعات المحلية مع الفينيقيين إلى حدود منتصف القرن السادس قبل الميلاد، ويستشهد أحد ملصقاته التعريفية بوجود العديد من المنشآت الفينيقية على السواحل المورية مثل: روسادير أي مليلية، وليكسوس أي العرائش، وسالا أي شالة، وموكادور أي الصويرة، مثبتة أن "التوسع الفينيقي في المغرب القديم كان دافعه مصالح اقتصادية بحتة". كما يستعرض المعرض آثارا وقطعا خزفية فينيقية وجدت في مجموعة من المناطق المورية في هذه الفترة التاريخية، مثل: الأواني، والمبخرات، والقناديل، والصحون. ثم ينتقل "المغرب القديم" إلى المرحلة التي انفتحت فيها موريطنية على الثقافة المتوسّطيّة، وشهدت ولادة كيانات اجتماعية - اقتصادية جديدة من منتصف القرن السادس قبل الميلاد إلى نهاية القرن 4 قبل الميلاد، وهي الفترة التي عرف فيها المغرب "تطوّرا ملموسا في مجال الاستقرار والزراعة.. وظهور محارف فخارية في ريغة، وبناصا، ولكسوس"، حسب المصدر نفسه. ويبدي المعرض في هذا السياق إناء من أصل إيبيري، وقنديلا إغريقيا، ودورق نبيذ برونزيا، أي إناء من البرونز يغرف به النبيذ، إلى جانب حليّ ذهبيّة يعود تاريخها إلى القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد.

المملكة المورية

ترجّح الوثائق التعريفية بالمعرض أن يكون الموريون قد شكّلوا قبائل قوية تمكّنت من تأسيس مدن ومرافق حضرية في مجال امتدّ من البحر الأبيض المتوسّط إلى الحدود الرابطة بين "سالا ووليلي جنوبا، ونهر مولوكا، أي نهر ملوية حاليا، وصولا إلى نهر أمبساكا شرقا، أي واد الكبير في الجزائر حاليا".

وكان على رأس السلطة داخل المملكة المورية، حسب المصدر نفسه، ملك يتمتّع بسلطات واسعة، ويساعده مستشاروه، وسفراء يُبعثون عند الحاجة إلى الدول الأجنبية؛ وهي الفترة التي شهدت "توسّع الاستقرار والنشاط الزراعي وتربية الحيوانات"، في محيط ضمّ "حوالي عشرين تجمّعا حضريا، وجدت بها وحدات صناعية متخصّصة للصناعات البحرية، والإنتاج الحرفي خاصة إنتاج الخزف".

ويعرض المعرض أوانٍ من الفترة المورية، إضافة إلى نقود ترجع إلى عهد الملك بوكوس الأوّل البرونزية، ونقود بطليموس الفضية، ونقود ماسينيسا البرونزية، ونقد جوبا الثاني الفضي. كما يتحدّث عن فترة فراغ العرش الموري وإعادة إقرار الملكية بتنصيب جوبا الثاني، بعد فترة من شغور العرش الموري بوفاة بوكوس الثاني سنة 33 قبل الميلاد دون ترك وريث مباشر، التي عرفت تسييرا إداريا رومانيا للأراضي المورية، ثم أنشئت فيها ثلاث عشرة مستعمرَة رومانية، قبل أن يقرّر أوكتافيوس، الإمبراطور أغسطس لاحقا، خلق مملكة محمية وحليفة لروما بدل ضمّها إلى الإمبراطورية الرومانية.

ويحتوي هذا الجزء من فضاء العرض المسار مجموعة من المعروضات من بينها رأس جوبا الثاني الرخامي.

الحضارة المورية

يضمّ المسار الموضوعاتي من معرض "المغرب القديم.. فترة ما قبل الرومان" بعضَ جوانبِ الحضارة المورية، ويفتتح عرضه بالاقتصاد والتجارة في القرون الممتدّة بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد، عندما اختار الفينيقيون الاستقرار بمناطق مأهولة ومجتمعات محلية منظّمة قادرة على التجارة.

وسجّل دليل المعرض أن هذه الفترة عرفت تداولا للسلع الفينيقية، من قبيل: "الخزف، والحلي، والعطور"، مقابل المواد الخام الفاخرة، مثل: "جلود الحيوانات، والعاج، وخشب العفص"، إلى جانب تلقّي موريطنية الخزف الإغريقي والأواني البرونزية من باقي بلدان البحر الأبيض المتوسّط، وهو ما تطوّر معه الخزف بشكل كبير، وظهر الخزف المقلّد بعد وقف التجارة مع شرق الأبيض المتوسّط بسبب الحروب البونية، إلى أن أُغرِقت السوق المورية بالمنتجات الرومانية من نبيذ وخزف ذي برنيق أسود.

ويعرض هذا الجزء من "معرض المغرب القديم" جرارا خزفية استُعملت في تعبئة ونقل زيت الزيتون، والنبيذ، والأسماك المملّحة؛ من ضمنها جرّة ذات مقبضين يزيّنها رسم تظهر في واجهته امرأة تنظُرُ رجلا واقفا كما ولدته أمّه وتحمل بيمناها ساقَ ذرةٍ يانعا. كما يتضمّن نقودا تحمل صور أهمّ المنتجات التي تُعرَف بها كلّ منطقة من المناطق، من قبيل: السمك، وعنقود العنب، وسُنْبُلِ القمح.

كما يتضمّن الشقّ الموضوعاتي من المعرض لُقى وشواهد تعكس جزءا من الأديان والطقوس الجنائزية المورية، على الرغم من عدم معرفة الكثير عن أديانها التي ترى فيها بعض الاكتشافات الأثرية تأثيرات شرقية وهيلنستية، حسب دليل المعرض.

وتحضر في هذا الشقّ شواهد جنائزية نُحِت على كل منها جسم صغير، أو أجسام متعدّدة، أو جسم بشري يمسك رأسه دلالة على وقوع شيء أفجعه وقد يعني هنا الموت، باستحضار السياق.

كما يتضمّن فضاء العرض أثاثا جنائزيا مثل تميمة في صورة "الإله بس"، وقلادة صدفية وُجدت بمقبرة جبيلة في طنجة، وأساور، إلى جانب قوارير عطر.

ويتكوّن الشق الموضوعاتي لمعرض "المغرب القديم.. فترة ما قبل الرومان" من عرض خاص باللغة والكتابة، يظهر نقوشا بالكتابة الليبية التي تعدّ أصل اللغة الأمازيغية وحرف تيفيناغ، والتي كانت لغة مشتركة بين جميع الشعوب الليبية في موريطنية وشمال إفريقيا، كما يتحدّث عن الاستعمال المزدوج للغتين الليبية والبونية، قبل تغيير هذه الأخيرة باللغة اللاتينية في القرن الأوّل قبل الميلاد.

 

التعليقات


إضافة تعليق
التعليقات تخضع للرقابة قبل نشرها