حدائق تاريخية في المغرب لم تغيرها الطبيعة
محمد ماموني العلوي
تعد مدينة مراكش وجهة رئيسية على الخارطة السياحية المغربية بمآثرها ومزاراتها وفنادقها المصنفة، لكن ما يميزها أكثر هي حدائقها ذات الشهرة العالمية ومنها حدائق ماجوريل وسط المدينة وحدائق المنارة في غرب المدينة، وهي صفة لا تقتصر على مراكش بل تشاركها فيها مدن مغربية كثيرة على غرار مدينة أصيلة التي تتميز بحدائق تحمل أسماء مشاهير من الأدبين العربي والأفريقي.
تستمد حدائق ماجوريل اسمها من اسم الرسام الفرنسي جاك ماجوريل، الذي حصل على قطعة أرضية سنة 1924 في المغرب، وسط حي كليز في المدينة الحمراء كما يطلق عليها. وقرر أن يقيم فيها حديقة ممميزة. ونجح فعلا في ذلك، لكن بعد وفاته في حادثة خبا صيت حديقته إلى أن اشتراها مصمم الأزياء الفرنسي إيف سان لوران فأعاد لها رونقها من جديد وبلمسات إبداعية زادتها جمالا.
ولم يتغير اسم الحدائق إذ أبقى إيف سان لوران على إرث المؤسس الأول. وفي العام 1980 كلّف صانع العطور المغربي عبدالرزاق بن شعبان بإعادة ترميمها وتصنيف نباتاتها التي وصلت اليوم إلى ثلاثمئة وخمسين نوعا، تم جلبها من القارات الخمس، بالإضافة إلى أشجار النخيل التي فاق عمرها مئة سنة ونبات الصبار بكل أنواعه. وفي سنة 2017 أضاف عليها رسام فرنسي لمسة أخرى حين قام بدهن مباني الحديقة بطلاء أزرق زادها جمالا، ليكتمل سحرها بمتحف إسلامي يضم تحفا يعود تاريخها إلى الآلاف من السنين. كما أن الحديقة تتوفر على مكتبة كبيرة غنية بمختلف الكتب والمراجع.
ويبدو أن تجربة جاك ماجوريل ألهمت الفنان النمساوي أندري هيلير الذي اختار نفس المدينة (المدينة الحمراء)، ليشتري فيها 8 هكتارات ويؤسس حديقة أنيما التي تم افتتاحها في أبريل 2016. وتضم الحديقة نباتات عجيبة إلى جانب أعمال فنية بين ممراتها وأشجارها. وقد تم وصف أنيما بأنها واحدة من أجمل الحدائق الفاخرة في العالم.
لكن شهرة حدائق ماجوريل وأنيما لم تغط على شهرة حدائق المنارة التي تعد من أقدم الحدائق التاريخية بمراكش، التي أنشأها في القرن الـ12 ميلادي السلطان الموحدي عبدالمؤمن بن علي الكومي. وتم تجديدها في عهد سلالة السعديين الذين اتخذوها فضاء للاسترخاء وتم في عهد السلطان العلوي محمد بن عبدالرحمن، السلطان العلوي ما بين 1859 و1873، توسيع المحيط الجغرافي لموقع الحدائق وعُززت مصادر مياهه.
وتستمد هذه الحدائق خصوصيتها من إطلالتها على جبال الأطلس. وتتميز بالاستخدام الحكيم للموارد الطبيعية المتاحة وبإحتوائها على عدة بساتين من أشجار النخيل وأشجار الزيتون والأشجار المثمرة. وتوفر هذه الحدائق جاذبية كبيرة وراحة تجعلانها مكانا مميزا للترحيب بالضيوف. ويرى المختصون أن هندسة حدائق المنارة مستقاة من حدائق الأندلس. وتعتبر الشكل النموذجي والكلاسيكي للحدائق الملكية المغربية، كحدائق أكدال بمراكش وصهريج السواني في مدينة مكناس وجنان السبيل في فاس.
ويصل عمق صهريج الماء الذي يتوسط الحدائق إلى مترين ونصف المتر، بينما يبلغ طوله 200 متر وعرضه 160 مترا، ويجلي الماء من جبال الأطلس عبر مدخلين، وجرى تصريفه عبر ثلاثة مخارج لسقي أكثر من 1000 شجرة زيتون. وتؤمّن المياه بواسطة تقنية «الخطارات»، وهي أنظمة تقليدية لاستخراج المياه من باطن الأرض.
وتستعمل بشكل خاص في المناطق الجافة وشبه الجافة كمدينة مراكش. ويتصدر الحدائق مبنى الجناح الملكي، الذي يحيط به سور من التراب المدكوك ويطل على الحديقة والصهريج، من طابقين ويعلوه سقف تقليدي ذو شكل هرمي مغطى بالقرميد الأخضر، في حين يتكون الطابق السفلي من أربعة أعمدة عالية وفضاء مفتوح يؤدي إلى شرفة تطل على البركة المائية.
وتمتد سلسلة هذه الحدائق لتزين صدر مختلف المدن المغربية، كل وفق خصوصيتها الجغرافية والمناخية. وعلى غرار مراكش، تحتفي مدينة أصيلة بحدائقها بطريقتها الخاصة، إذ خلدت أسماء زوارها من الأدباء والمفكرين عبر إطلاق أسمائهم على مجموعة من الحدائق التي يفوق عددها العشر حدائق، رغم صغر المدينة التي تعرف بهدوئها وبساطتها.
ومن أشهر حدائق أصيلة حديقة الشاعر العراقي بلند الحيدري، الذي أحب أصيلة ولم يتغيب عن منتداها الدولي حتى وفاته في العام 1996. وكتبت وسط الحديقة أبيات من شعره «مبحر إلى آخر نقطة ضوء في عينيه.. يمد يده يقول: انتظري يا نجمة فجري.. ها أنا ذا آت من آخر ما تحمل مرآتي من ذكرى». وغير بعيد عن هذه الحديقة، توجد حديقة أخرى نقش على نصب بداخلها اسم الشاعر الكونغولي المتمرد تشيكايا أوتامسي، وكلماته التي تقول «لا لن تعرف شيئا عن ذاكرتي، ولا عن حيواتي الكامنة».
وليس بعيدا بداخل المدينة توجد حديقة الشاعر الفلسطيني محمود درويش التي تم إنشاؤها سنة 2009 تخليدا لذكرى زياراته للمدينة. وهناك أيضا حديقة تحمل اسم الروائي والأديب السوداني الطيب صالح الذي داوم على الحضور إليها والانتشاء ببحرها وجوها البديع والالتقاء بالأدباء والشعراء والمثقفين من كافة الجنسيات ما بين 1988 و2006.
وتحمل الحديقة المحاذية لمكتبة الأمير بندر بن سلطان اسم صاحب "الشخصانية الإسلامية" محمد عزيز الحبابي. وتم تخليد اسم الشاعر المغربي أحمد عبدالسلام البقالي على الحديقة القريبة من ساحة محمد الخامس، فيما حملت الحديقة السابعة اسم "ناقد العقل العربي" محمد عابد الجابري. والاعتراف بهؤلاء الرواد عبر الخضرة والمياه لهو أحسن تخليد تنفرد به هذه المدينة الأصيلة.
صحيفة العرب- لندن